فصل: بَابُ دِيَةِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [دِيَةُ الرَّقيقِ]:

(وَدِيَةُ قِنٍّ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا (قِيمَتُهُ) عَمْدًا كَانَ الْقَتْلُ أَوْ خَطَأً (وَلَوْ) كَانَتْ قِيمَتُهُ (فَوْقَ دِيَةِ حُرٍّ)؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَضُمِنَ بِكَمَالِ قِيمَتِهِ كَالْفَرَسِ، وَضَمَانُ الْحُرِّ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ الَّتِي تَزِيدُ بِهَا قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ قِنًّا، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِمَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ، وَضَمَانُ الْقِنِّ ضَمَانُ مَالٍ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ، وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهَا. (وَفِي جِرَاحِهِ)؛ أَيْ: الْقِنِّ (إنْ قُدِّرَ مِنْ حُرٍّ بِقِسْطِهِ مِنْ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ كَدِيَةِ الْحُرِّ (فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي أُصْبُعِهِ عُشْرُهَا، وَفِي مُوضِحَةٍ نِصْفُ عُشْرِ) قِيمَتِهِ (سَوَاءٌ نَقَصَ بِجِنَايَةٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِلَّا) يَكُنْ فِيهِ مُقَدَّرٌ مِنْ الْحُرِّ كَالْعُصْعُصِ وَخَرَزَةِ الصُّلْبِ؛ فَعَلَى جَانٍ (مَا نَقَصَهُ) بِجِنَايَتِهِ بَعْدَ بُرْئِهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ جَبْرٌ لِمَا فَاتَ بِالْجِنَايَةِ، وَقَدْ أَنْجَبَرَ بِذَلِكَ؛ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ (فَلَوْ جُنِيَ عَلَى رَأْسِهِ)؛ أَيْ: الْقِنِّ (دُونَ مُوضِحَةٍ) أَوْ جُنِيَ عَلَى وَجْهِهِ دُونَ مُوضِحَةٍ، ضُمِنَ بِمَا نَقَصَ، (وَلَوْ أَنَّهُ)؛ أَيْ: مَا نَقَصَ بِالْجِنَايَةِ (أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ إذَا نَقَصَهَا (وَفِي مُنَصَّفٍ)؛ أَيْ: مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ قِنٌّ إذَا قُتِلَ (نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ، وَكَذَا جِرَاحُهُ) مِنْ طَرَفٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَالْقَتْلُ خَطَأٌ وَالْقَاتِلُ حُرٌّ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فِي مَالِهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ أَوْ يَدَهُ أَوْ رِجْلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ، فَالْجَمِيعُ فِي مَالِ جَانٍ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ رُبُعُ دِيَةٍ؛ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِنَقْصِهِ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ (وَلَيْسَتْ أَمَةٌ كَحُرَّةٍ فِي رَدِّ أَرْشِ جِرَاحٍ بَلَغَ ثُلُثَ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ إلَى نِصْفٍ)؛ أَيْ: أَرْشِ جِرَاحِهَا؛ لِأَنَّ فِي الْحُرَّةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِكَوْنِ الْأَصْلِ زِيَادَةَ الْأَرْشِ بِزِيَادَةِ الْجِنَايَةِ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ نَقْصُهَا وَضَرَرُهَا زَادَ فِي ضَمَانِهَا، فَإِذَا خُولِفَ الْأَصْلُ فِي الْحُرَّةِ لِلْحَدِيثِ، بَقِيَ فِي الْأَمَةِ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ. (وَمَنْ قَطَعَ خُصْيَتَيْ عَبْدٍ) أَوْ ذَكَرَهُ (أَوْ أَنْفِهِ أَوْ أُذُنَيْهِ) وَنَحْوَهُمَا مِمَّا فِيهِ مِنْ الْحُرِّ دِيَةٌ (لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) كَامِلَةً لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الدِّيَةِ (وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ ثُمَّ خَصَاهُ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) صَحِيحًا (لِقَطْعِ ذَكَرِهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَيْضًا مَقْطُوعًا) أَيْ: نَاقِصًا بِقَطْعِ ذَكَرِهِ؛ لِقَطْعِ خُصْيَتَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهُمَا إلَّا وَقَدْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ، وَإِنْ خَصَاهُ ثُمَّ قَطَعَ ذَكَرَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً؛ لِقَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ، وَمَا نَقَصَ بِقَطْعِ ذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا مُقَدَّرًا (وَمِلْكُ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَاسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ مَا أَخَذَهُ بَدَلُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ لَا بَدَلَ نَفْسِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهُمَا)؛ أَيْ: ذَكَرَهُ وَخُصْيَتَيْهِ (مَعًا) فَعَلَيْهِ (قِيمَتَانِ كَامِلَتَانِ) كَمَا لَوْ ذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ دِيَةً كَامِلَةً، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ.

.فَصْلٌ: [دِيَةُ الْجَنِينِ]:

(وَدِيَةُ جَنِينٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَوْ أُنْثَى) وَالْجَنِينُ: الْوَلَدُ الَّذِي فِي الْبَطْنِ مِنْ الْإِجْنَانِ وَهُوَ السَّتْرُ؛ (لِأَنَّهُ أَجَنَّهُ بَطْنُ أُمِّهِ)؛ أَيْ: سَتَرَهُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} (أَوْ مَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ) وَهُوَ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ وَلَوْ خَفِيًّا، لَا مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً (إنْ ظَهَرَ) الْجَنِينُ مَيِّتًا (أَوْ) ظَهَرَ (بَعْضُهُ) كَيَدٍ وَرَأْسٍ (مَيِّتًا وَلَوْ) كَانَ ظُهُورُهُ (بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) وَكَذَا مَا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ كَمَا مَرَّ فِيمَنْ أَسْقَطَتْ فَزَعًا مِنْ طَلَبِ سُلْطَانٍ أَوْ بِرِيحِ نَحْوِ طَعَامٍ (فَسَقَطَ) الْجَنِينُ فِي الْحَالِ، (أَوْ بَقِيَتْ) أُمُّهُ (مُتَأَلِّمَةً حَتَّى سَقَطَ) الْجَنِينُ، فَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ كَأَنْ قَتَلَ حَامِلًا وَلَمْ يُسْقِطْ جَنِينَهَا، أَوْ ضَرَبَ مَنْ بِبَطْنِهَا حَرَكَةٌ أَوْ انْتِفَاخٌ، فَزَالَ ذَلِكَ؛ فَلَا شَيْءَ فِيهِ (وَلَوْ) كَانَ إسْقَاطُهَا (بِفِعْلِهَا) كَإِجْهَاضِهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ (أَوْ كَانَتْ أَمَةً ذِمِّيَّةً حَامِلًا مِنْ ذِمِّيٍّ وَمَاتَ) الذِّمِّيُّ وَالْجَنِينُ بِهِ بِدَارِنَا (لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ) إذَنْ تَبَعًا لِلدَّارِ (وَيُرَدُّ قَوْلُهَا)؛ أَيْ: الذِّمِّيَّةِ (إنْ لَمْ يَمُتْ الْجَنِينُ) الَّذِي (حَمَلَتْ بِهِ مِنْ مُسْلِمٍ). إنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ) كَانَتْ أُمُّ الْجَنِينِ (أَمَةً وَهُوَ حُرٌّ) لِغُرُورٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ إعْتَاقِهِ وَحْدَهُ، فَتَقْدِيرُ أَمَةٍ حُرَّةٍ، وَقَوْلُهُ: (غُرَّةٌ) خَبَرُ دِيَةِ جَنِينٍ (عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ) بَدَلٌ مِنْ غُرَّةٍ، وَأَصْلُهَا الْخِيَارُ، سَمَّى بِهَا الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ وَوَجْهُ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا وَمَنْ مَعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) صِفَةٌ لِغُرَّةٍ، وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ فِي الْجِنَايَةِ، وَهُوَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَأَمَّا الْأُنْمُلَةُ فَقَدْرُهَا ثَبَتَ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَةِ الْأُصْبُعِ (مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ)؛ أَيْ: الْجَنِينِ (كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا) ثُمَّ مَاتَ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ، وَلِأَنَّهَا دِيَةُ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ أَنْ تُورَثَ عَنْهُ كَسَائِرِ الدِّيَاتِ (فَلَا حَقَّ فِيهَا لِقَاتِلٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ (وَلَا كَامِلِ رِقٍّ) لِأَنَّهُ مَانِعٌ لِلْإِرْثِ وَيَرِثُ الْمُبَعَّضُ مِنْهَا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَغَيْرِهَا. (فَيَرِثُهَا)؛ أَيْ: الْغُرَّةَ (عَصَبَةُ سَيِّدٍ قَتَلَ وَلَدَهُ مِنْ أَمَةٍ) كَأَنْ ضَرَبَ بَطْنَ أُمِّ وَلَدِهِ فَأَسْقَطَتْ وَلَدَهَا مِنْهُ؛ فَلَا يَرِثُهُ هُوَ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، وَيَرِثُهُ مَنْ عَدَاهُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ السَّيِّدُ بَطْنَ عَتِيقَتِهِ فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا؛ كَانَ عَلَيْهِ غُرَّةٌ يَرِثُهَا أُمُّ الْجَنِينِ وَعَصَبَةُ السَّيِّدِ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ. (وَتَعَدُّدُ الْغُرَّةِ بِتَعَدُّدِ جَنِينٍ وَإِنْ أَلْقَتْ) بِجِنَايَةٍ (رَأْسَيْنِ أَوْ أَرْبَعَ أَيْدٍ) أَوْ أَرْجُلٍ (فَغُرَّةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جَنِينٍ وَاحِدٍ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ (أَوْ) أَلْقَتْ (مَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ) أَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ آدَمِيًّا (فَلَا شَيْءَ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ (كَمَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ حَرْبِيَّةٍ) حَامِلٍ (أَوْ) بَطْنَ (مُرْتَدَّةٍ) حَامِلٍ (فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا) فَلَا شَيْءَ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) (هَذَا) الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ (إنْ) كَانَتْ قَدْ (حَمَلَتْ بِهِ مِنْ كَافِرٍ حَالَ رِدَّتِهَا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ جِنَايَةٌ عَلَيْهَا حِينَ عِصْمَتِهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ أَنْ تَرْتَدَّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ؛ لِعِصْمَتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ شَهِدَتْ ثِقَةٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنْ فِي السِّقْطِ صُورَةً خَفِيَّةً، فَفِيهِ غُرَّةٌ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. (وَلَا يَجِبُ مَعَ الْغُرَّةِ ضَمَانُ نَقْصِ الْأُمِّ)؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا تُوجِبُ أَرْشَيْنِ (وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا)؛ أَيْ: الْغُرَّةِ (خَصِيٌّ وَلَا خُنْثَى) وَنَحْوُهُ كَمَوْجُوءِ الْخُصْيَتَيْنِ وَمَسْلُولِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَ(لَا) يُقْبَلُ فِيهَا (مَعِيبٌ) عَيْبًا يُرَدُّ فِي بَيْعٍ، كَأَعْوَرَ وَمُكَاتَبٍ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ، وَكَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهَا هَرِمَةٌ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ بَدَلٌ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهَا السَّلَامَةُ كَإِبِلِ الصَّدَقَةِ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ؛ فَإِنَّهَا جُبَارٌ (وَلَا مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْخِدْمَةِ؛ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ وَيَخْدُمُهُ، وَلَوْ أُرِيدَ نَفْسُ الْمَالِيَّةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ فِي الْغُرَّةِ (وَإِنْ أَعْوَزَتْ الْغُرَّةُ؛ فَالْقِيمَةُ تَجِبُ مِنْ أَصْلِ الدِّيَةِ) وَهِيَ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ لِلْجَانِي فِي دَفْعِ مَا شَاءَ مِنْ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ. (وَتُعْتَبَرُ الْغُرَّةُ سَلِيمَةً مَعَ سَلَامَتِهِ)؛ أَيْ: الْجَنِينِ الْقِنِّ (وَعَيْبِ الْأُمِّ)؛ لِكَوْنِهَا خَرْسَاءَ أَوْ نَاقِصَةً بَعْضَ الْأَطْرَافِ، وَيُؤْخَذُ عُشْرُ قِيمَتِهَا اعْتِبَارًا بِوَصْفِهِ (وَجَنِينٍ مُبَعَّضٍ)؛ أَيْ: مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ كَذَلِكَ (بِحِسَابِهِ) مِنْ دِيَةٍ وَقِيمَةٍ، فَلَوْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا، وَجَبَ لِسَيِّدِهِ بِاعْتِبَارِهِ (وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ وَ) وَجَبَ لِوَرَثَتِهِ (نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهَا) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجَنِينِ (وَفِي) جَنِينٍ (قِنٍّ وَلَوْ أُنْثَى عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ) كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا مُوضِحَةً. وَإِنْ (كَانَ الْجَنِينُ قِنًّا، وَأُمُّهُ حُرَّةً بِأَنْ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا وَاسْتَثْنَاهُ فَقَدْرُ أُمِّهِ الْحُرَّةِ) أَنَّهُ كَعَكْسِهِ (وَيُؤْخَذُ عُشْرُ قِيمَتِهَا يَوْمَ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا نَقْدًا)؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْجَنِينِ إذَا كَانَ حُرًّا، وَهَذَا رَقِيقٌ (وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ) فِي أَمَةٍ ضَرَبَهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِمَمْلُوكٍ فَأَسْقَطَتْهُ (قِيمَةَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ) وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الضَّارِبُ أَجْنَبِيًّا وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا، وَيَسْقُطُ ضَمَانُ نَصِيبِهِ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مَالَهُ لِنَفْسِهِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ أَعْتَقَهَا الضَّارِبُ بَعْدَ ضَرْبِهَا وَكَانَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَسْقَطَتْ، عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَمِنْ وَلَدِهَا بِمُجَرَّدِ الْعِتْقِ، وَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَ جَنِينِهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَعْتَقَهُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ جِنَايَةٌ، وَقَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ مَمْلُوكُهُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَرَى الْعِتْقُ إلَيْهَا وَإِلَى جَنِينِهَا، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْجَنِينِ بِنِصْفِ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَلَا يَضْمَنُ أُمَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَهَا بِإِعْتَاقِهَا؛ فَلَا يَضْمَنُهَا بِتَلَفِهَا. (وَإِنْ ضَرَبَ غَيْرُ سَيِّدٍ بَطْنَ أَمَةٍ فَعَتَقَ جَنِينُهَا) بِأَنْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ (قَبْلَ مَوْتِهِ) أَوْ كَانَ عَلَّقَ عِتْقَهَا عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ، أَوْ نَجَّزَ السَّيِّدُ عِتْقَهَا، أَوْ عَلَّقَ عِتْقَ جَنِينِهَا عَلَى ضَرْبِ جَانٍ بَطْنَهَا (ثُمَّ سَقَطَ) الْجَنِينُ مَيِّتًا؛ فَفِيهِ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، وَالْعِبْرَةُ بِحَالِ سُقُوطٍ. وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ كَافِرَةٍ حَامِلٍ، فَأَسْلَمَتْ أَوْ أَبُو الْحَمْلِ ثُمَّ سَقَطَ (أَوْ) ضَرَبَ (بَطْنَ مَيِّتَةٍ أَوْ ضَرَبَ عُضْوًا) مِنْ أَعْضَائِهَا، (وَخَرَجَ) الْجَنِينُ (مَيِّتًا، وَ) قَدْ (شُوهِدَ بِالْجَوْفِ)؛ أَيْ: جَوْفِ الْمَيِّتَةِ (يَتَحَرَّكُ)؛ بَعْدَ مَوْتِهَا (فَفِيهِ غُرَّةٌ) كَمَا لَوْ ضَرَبَ حَيَّةً فَمَاتَتْ ثُمَّ خَرَجَ جَنِينُهَا مَيِّتًا. (وَفِي) جَنِينٍ (مَحْكُومٍ بِكُفْرِهِ) كَجَنِينِ ذِمِّيَّةٍ مِنْ ذِمِّيٍّ لَاحِقٌ بِهِ (غُرَّةٌ قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ) قِيَاسًا عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ (فَغُرَّةُ جَنِينِ مَجُوسِيَّةٍ) مِنْ مَجُوسِيٍّ (أَرْبَعُونَ دِرْهَمٍ) عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ. (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ)؛ أَيْ: الْجَنِينِ (أَشْرَفَ دِينًا) مِنْ الْآخَرِ (كَمَجُوسِيَّةٍ تَحْتَ كِتَابِيٍّ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ تَحْتَ مُسْلِمٍ) فَالْوَاجِبُ فِيهِ (غُرَّةٌ قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ لَوْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ) الْأَشْرَفِ؛ فَتُقَدَّرُ مَجُوسِيَّةٌ تَحْتَ كِتَابِيٍّ كِتَابِيَّةً وَكِتَابِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ مُسْلِمَةً؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ دِينًا، وَتَقَدَّمَ. وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْجَنِينِ بَعْدَ الضَّرْبِ وَقَبْلَ الْوَضْعِ؛ فَفِيهِ غُرَّةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ الِاسْتِقْرَارِ. (وَإِذَا سَقَطَ جَنِينُ ذِمِّيَّةٍ قَدْ وَطِئَهَا مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فِي طُهْرٍ) وَاحِدٍ (فَفِيهِ مَا فِي الْجَنِينِ الذِّمِّيِّ)؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ هَذَا الْجَنِينَ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَافَةِ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إمَّا أَنْ تُلْحِقَهُ بِالذِّمِّيِّ، أَوْ يُشْكِلَ أَمْرُهُ فَلَا يُدْرَى أَهُوَ مِنْ الذِّمِّيِّ أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِ، أَوْ تُلْحِقَهُ بِالْمُسْلِمِ؛ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى تَكُونُ الْغُرَّةُ (لِبَيْتِ الْمَالِ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (إنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِالذِّمِّيِّ) وَأَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (أَوْ أَشْكَلَ) أَمْرُهُ؛ أَيْ: فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْغُرَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِالْمُسْلِمِ؛ فَتَكُونُ الْغُرَّةُ لَهُ؛ أَيْ: الْمُسْلِمِ؛ لِاتِّضَاحِ الْحَالِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ ادَّعَتْ ذِمِّيَّةٌ أَوْ وَرَثَتُهَا، أَنْ جَنِينَهَا مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَإِنْ اعْتَرَفَ الْجَانِي بِذَلِكَ، فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْعَاقِلَةُ أَيْضًا، وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ غَيْرَ عَمْدٍ، وَمَاتَ مَعَ أُمِّهِ أَوْ بَعْدَهَا، فَالْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِاعْتِرَافِهَا، وَتَحْلِفُ الْعَاقِلَةُ مَعَ الْإِنْكَارِ أَنَّهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَعَلَيْهِمَا فِي جَنِينِ الذِّمِّيِّينَ وَالْبَاقِي عَلَى الْجَانِي إنْ اعْتَرَفَ لِثُبُوتِهِ بِاعْتِرَافِهِ. وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْعَاقِلَةُ دُونَ الْجَانِي، فَالْغُرَّةُ عَلَيْهَا مَعَ دِيَةِ أُمِّهِ حَيْثُ مَاتَ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْجَانِي وَالْعَاقِلَةُ أَنَّهُ مِنْ مُسْلِمٍ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْجَنِينَ مِنْ مُسْلِمٍ، وَوَجَبَتْ دِيَةُ ذِمِّيٍّ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ الْيَمِينُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْجَنِينِ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ، وَمَاتَ قَبْلَ أُمِّهِ أَوْ بِجِنَايَةٍ مُفْرَدَةٍ، فَقَوْلُ الْجَانِي وَحْدَهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ فِيهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ. كَانَتْ الذِّمِّيَّةُ كِتَابِيَّةً وَهِيَ امْرَأَةُ مُسْلِمٍ أَوْ سُرِّيَّتُهُ، فَادَّعَى الْجَانِي أَنْ الْجَنِينَ مِنْ ذِمِّيٍّ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، وَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ، فَقَوْلُهُمْ مَعَ يَمِينِهِمْ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ؛ فَإِنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ. (وَإِنْ سَقَطَ الْجَنِينُ كُلُّهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ وَهُوَ نِصْفُ سَنَةٍ فَصَاعِدًا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ) صَارِخًا، إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ، بِنَفَسِهِ أَوْ ارْتِضَاعِهِ، أَوْ عُطَاسِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَدَلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ الِاسْتِهْلَالِ (فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ)؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَ قَتْلَهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، كَدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ (فَكَمَيِّتٍ)؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِحَيَاتِهِ (وَلَا تَثْبُتُ حَيَاتُهُ بِمُجَرَّدِ حَرَكَةٍ وَاخْتِلَاجٍ)؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدُلَّانِ عَلَى الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِخُرُوجِهِ مِنْ مَضِيقٍ، فَلَمْ تُتَيَقَّنْ حَيَاتُهُ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا)؛ أَيْ: الْجَانِي وَوَارِثُ الْجَنِينِ (فِي خُرُوجِهِ)؛ أَيْ؛ الْجَنِينِ (حَيًّا) بِأَنْ قَالَ الْجَانِي: سَقَطَ مَيِّتًا، فَفِيهِ الْغُرَّةُ، وَقَالَ الْوَارِثُ: بَلْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ (فَقَوْلُ جَانٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا زَادَ عَنْ الْغُرَّةِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا. وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ ضَرَبَهَا، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَأَنْكَرَ الضَّرْبَ، فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالضَّرْبِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَأَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ أَسْقَطَتْ؛ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ لَا عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْإِسْقَاطُ وَالضَّرْبُ وَادَّعَى إسْقَاطَهَا مِنْ غَيْرِ الضَّرْبِ، فَإِنْ كَانَتْ أَسْقَطَتْ عَقِبَ الضَّرْبِ؛ فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إحَالَةً لِلْحُكْمِ عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَتْ بَعْدَهُ بِأَيَّامٍ، وَكَانَتْ مُتَأَلِّمَةً إلَى الْإِسْقَاطِ، فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ (كـَ) (اخْتِلَافِهِمَا)؛ أَيْ: الْجَانِي وَالْأُمِّ (فِي الْحَيِّ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) أَسْقَطَتْهُمَا مِنْ الْجِنَايَةِ فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا فَقَالَ الْجَانِي: هُوَ الْأُنْثَى، وَقَالَتْ الْأُمُّ: هُوَ الذَّكَرُ، فَقَوْلُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا زَادَ عَلَى دِيَةِ الْأُنْثَى، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَتُبَيِّنُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا بَيِّنَتَانِ وَجَبَتْ دِيَةُ الذَّكَرِ؛ لِثُبُوتِ اسْتِهْلَالِهِ، وَالْبَيِّنَةُ الْمُعَارِضَةُ لَهَا نَافِيَةٌ، وَلَمْ تَجِبْ دِيَةُ الْأُنْثَى؛ لِعَدَمِ ادِّعَاءِ وَارِثِهَا إيَّاهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَاعْتَرَفَ الْجَانِي بِاسْتِهْلَالِ الذَّكَرِ، فَأَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ اسْتِهْلَالَهُ؛ فَقَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُمْ، فَإِذَا حَلَفُوا كَانَ عَلَيْهِمْ دِيَةُ الْأُنْثَى؛ لِاعْتِرَافِهِمْ بِاسْتِهْلَالِهَا، وَعَلَى الْجَانِي تَمَامُ دِيَةِ الذَّكَرِ وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِاعْتِرَافِهِ. وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَهَلَّ وَلَمْ يُعْرَفْ؛ لَزِمَ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ أُنْثَى؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَيَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ مِنْهُمَا بِكُلِّ حَالٍ.
(وَ) إنْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْأُمُّ فِي جَنِينٍ ثَبَتَ أَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، فَقَالَتْ الْأُمُّ: وَلَدْتُهُ (لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ) وَأَنْكَرَهَا الْجَانِي؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ أُمِّهِ)؛ أَيْ: الْجَنِينِ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ كَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَوُجُودِ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِاسْتِهْلَالِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِخِلَافِهَا؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ. وَإِنْ قَالَتْ: مَاتَ الْجَنِينُ عَقِبَ الْإِسْقَاطِ، وَقَالَ الْجَانِي: عَاشَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْجِنَايَةِ؛ فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا اعْتِبَارًا بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَتَيْنِ بِحَيَاتِهِ وَعَدَمِهِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهَا)؛ أَيْ: الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَتِلْكَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَاشَ مُدَّةً فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: بَقِيَ مُتَأَلِّمًا حَتَّى مَاتَ، فَأَنْكَرَ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّأَلُّمِ، وَمَعَ التَّعَارُضِ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَيُقْبَلُ فِي حَيَاةِ الْجَنِينِ وَ) فِي (سُقُوطِهِ وَ) فِي بَقَائِهِ مُتَأَلِّمًا أَوْ (بَقَاءِ أُمِّهِ مُتَأَلِّمَةً قَوْلُ امْرَأَةٍ عَدْلٍ)؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. (وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَجَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ وَ) كَانَتْ (فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَزِمَهُ الْقَوَدُ) إذَا كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ، أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً مَعَ الْعَفْوِ، وَفِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ؛ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْجَانِي عَلَى مَيِّتٍ يُعَزَّرُ فَقَطْ، وَالْغُرَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بَلْ كَانَتْ حَرَكَتُهُ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ (فـَ) الْقَاتِلُ هُوَ (الْأَوَّلُ) وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً (وَيُؤَدَّبُ الثَّانِي) كَالْجَانِي عَلَى مَيِّتٍ، وَإِنْ بَقِيَ الْجَنِينُ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيًّا، وَبَقِيَ زَمَنًا سَالِمًا لَا أَلَمَ بِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ الضَّارِبُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ جِنَايَتِهِ. (وَإِنْ أَلْقَتْ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهَا جَنِينًا (مَيِّتًا) وَجَنِينًا (حَيًّا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) عَلَى مَا (تَقَدَّمَ) وَفِي (جَنِينِ دَابَّةٍ مَا نَقَصَ أُمَّهُ) نَصًّا كَقَطْعِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا.
قَالَ فِي الْقَوَاعِد: وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الْعَبْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ.

.فَصْلٌ: [جنايةُ الرَّقيقِ]:

(وَإِنْ) (جَنَى قِنٌّ) عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ وَتَقَدَّمَ فِي الْكِتَابَةِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْحُرِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَكَذَا فِي الْجِنَايَاتِ (خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ) كَجَائِفَةٍ (أَوْ) عَمْدًا (فِيهِ قَوَدٌ وَاخْتِيرَ الْمَالُ)؛ أَيْ: اخْتَارَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ (أَوْ أَتْلَفَ مَالًا) تَعَدِّيًا لَمْ تُلْغَ جِنَايَتُهُ وَلَا إتْلَافُهُ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا كَجِنَايَةِ الْحُرِّ، وَكَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَأَوْلَى. وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا بِذِمَّةِ الرَّقِيقِ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إلْغَائِهَا أَوْ تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَلَا بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ؛ فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَةِ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ كَالْقِصَاصِ (خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ بَيْعِهِ فِي الْجِنَايَةِ وَبَيْنَ فِدَائِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ) الْجِنَايَةُ (بِأَمْرِهِ)؛ أَيْ: السَّيِّدِ (أَوْ إذْنِهِ، وَيَتَّجِهُ وَالْقِنُّ أَعْجَمِيٌّ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ) كَانَ الْقِنُّ (لَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَ الْجِنَايَةِ) كَمَنْ نَشَأَ فِي الْبَادِيَةِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ (كَمَا قَالُوهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا جَنَى الْقِنُّ، وَكَانَ حَالَ الْجِنَايَةِ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْلَمُ التَّحْرِيمَ، وَيَعْتَقِدُ وُجُوبَ امْتِثَالِ أَمْرِ سَيِّدِهِ؛ فَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ فَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ كُلُّهُ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ (فَدَاهُ السَّيِّدُ بِأَرْشِهَا)؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ (كُلِّهِ) نَصًّا، لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ عَلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِهِ، كَاسْتِدَانَةٍ بِإِذْنِهِ (وَإِلَّا) تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ أَوْ إذْنِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ)، أَيْ: الرَّقِيقَ الْجَانِي سَيِّدُهُ (وَلَوْ) كَانَ إعْتَاقُهُ (بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ) فَيَفْدِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ (بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ)؛ أَيْ: أَرْشِ الْجِنَايَةِ (أَوْ) مِنْ (قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْأَرْشَ فَلَا طَلَبَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَبَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ الْقِنَّ فَهُوَ بَدَلُ الْمَحَلِّ الَّذِي تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِهِ. (وَإِنْ سَلَّمَهُ)؛ أَيْ الرَّقِيقَ الْجَانِي سَيِّدُهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ (فَأَبَى وَلِيُّ) الْجِنَايَةِ (قَبُولَهُ، وَقَالَ) لِسَيِّدِهِ (بِعْهُ أَنْتِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ)؛ أَيْ: السَّيِّدَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْحَقُّ (وَيَبِيعُهُ حَاكِمٌ) بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِيَصِلَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ حَقُّهُ. وَإِنْ فَضَلَ عَنْ ثَمَنِ الْقِنِّ شَيْءٌ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ هُوَ الْوَاجِبُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ (وَلِسَيِّدِهِ)؛ أَيْ: سَيِّدِ الْجَانِي (التَّصَرُّفُ فِيهِ)؛ أَيْ: الرَّقِيقِ الْجَانِي بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا يَزُولُ بِذَلِكَ تَعَلُّقُ الْجِنَايَةِ عَنْ رَقَبَتِهِ (كـَ) تَصَرُّفِ (وَارِثٍ فِي تَرِكَةِ) مُوَرِّثِهِ الْمَدِينِ، وَحَيْثُ تَصَرَّفَ السَّيِّدُ بِالْقِنِّ الْجَانِي، فَإِنْ وَفَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْجِنَايَةِ فَقَدْ مَضَى التَّصَرُّفُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ (لَمْ تُوَفَّ الْجِنَايَةُ رُدَّ التَّصَرُّفُ) بِالْقِنِّ وُجُوبًا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ، وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ، سَوَاءٌ عَلِمَ السَّيِّدُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَلْزَمُ إذَا أَعْتَقَهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ضَمَانٍ إذَا امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَوْ هَرَبَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ سَيِّدِهِ تَسْلِيمَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِقِيمَتِهِ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بَدَلُهُ، فَتَحَوَّلَ التَّعَلُّقُ إلَيْهَا كَقِيمَةِ الرَّهْنِ لَوْ أُتْلِفَ. (وَإِنْ جَنَى) قِنٌّ (عَمْدًا، فَعَفَا وَلِيُّ قَوَدٍ عَلَى رَقَبَتِهِ)؛ أَيْ: (لَمْ يَمْلِكْهُ) بِغَيْرِ رِضَى سَيِّدِهِ (لِأَنَّهُ إذَا يَمْلِكُهُ بِالْجِنَايَةِ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَهُ بِالْعَفْوِ أَوْلَى)؛ وَلِأَنَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى الْمَالِ، فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ. (وَإِنْ جَنَى) الْقِنُّ (عَلَى عَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (خَطَأً) أَوْ عَمْدًا لَا يُوجِبُ قَوَدًا، أَوْ عَمْدًا يُوجِبُهُ وَعَفْوًا إلَى الْمَالِ سَوَاءٌ جَنَى عَلَيْهِمْ (مَعًا)؛ أَيْ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (أَوْ لَا) كَأَنْ جَنَى عَلَيْهِمْ فِي أَوْقَاتٍ وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ مَالًا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (زَاحَمَ كُلٌّ) مِنْ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ (بِحِصَّتِهِ)؛ لِتَسَاوِيهِمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً (فَلَوْ عَفَا الْبَعْضُ) عَنْ حَقِّهِ (أَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَاحِدًا فَمَاتَ؛ وَعَفَا بَعْضُ وَرَثَتِهِ؛ تَعَلَّقَ حَقُّ الْبَاقِي) الَّذِي لَمْ يَعْفُ (بِجَمِيعِهِ)؛ أَيْ: الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ، وَقَدْ زَالَ الْمُزَاحِمُ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى إنْسَانٍ فَفَدَاهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ جَنَى عَلَى آخَرَ، فَيَسْتَقِرُّ لِلْأَوَّلِ مَا أَخَذَهُ، وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الثَّانِي، بَلْ يَطْلُبُ لِسَيِّدِهِ بِفِدَائِهِ (وَشِرَاءُ وَلِيٍّ قَوَدٌ لَهُ)؛ أَيْ: الْجَانِي جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَوَدَ (عَفْوٌ عَنْهُ) ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا؛ (وَلَوْ) كَانَ (بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ كَ) مَا لَوْ أَخَذَهُ (بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ)، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ) وَكَشِرَاءٍ فِي الْحُكْمِ لَوْ (مَلَكَهُ) وَلِيُّ قَوَدٍ (بِنَحْوِ هِبَةٍ) كَعِوَضٍ فِي إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ خُلْعٍ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ، دَلِيلٌ عَلَى عَفْوِهِ عَنْهُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ إلَى هُنَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَارِثٌ) فَفِيهِ مَا فِيهِ؛ إذْ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِإِرْثٍ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الرَّهْنِ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ، فَافْتَرَقَا كَمَا لَا يَخْفَى. (وَإِنْ) (جَرَحَ قِنٌّ حُرًّا وَيَتَّجِهُ جُرْحًا يُوجِبُ الْمَالَ عَيْنًا) بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَعَفَا) عَنْ جِرَاحَتِهِ (ثُمَّ مَاتَ) الْعَافِي (مِنْ جِرَاحَتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ) أَيْ الْعَافِي، وَلَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ (وَاخْتَارَ سَيِّدُهُ)؛ أَيْ: الْجَانِي (فِدَاءً) بِقِيمَتِهِ (وَكَانَتْ) الْجِرَاحَةُ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، صَحَّ) الْعَفْوُ (فِي الثُّلُثِ)؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ مَا مَاتَ الْعَافِي عَنْهُ (وَفَدَاهُ سَيِّدُهُ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ، فَنَفَذَ عَفْوُهُ فِي ثُلُثِهِ كَمُحَابَاةٍ فِي غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) أَوْ أَمْرِهِ (فَالدِّيَةُ) تَلْزَمُهُ كَامِلَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَعْفُ الْمَجْرُوحُ، وَحَيْثُ عَفَا (فَتُرَدُّ نِصْفُهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ (عَلَى قِيمَتِهِ)؛ أَيْ: الْجَانِي (فَيَفْدِيهِ) سَيِّدُهُ (بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ) يَعْنِي أَنَّ الطَّرِيقَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ تَزِيدَ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَتُنْسَبَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِمَّا بَلَغَ، فَمَا كَانَ فَهُوَ الَّذِي يَفْدِيهِ بِهِ سَيِّدُهُ، فَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَكَرًا حُرًّا، كَانَتْ دِيَتُهُ أَلْفَ مِثْقَالٍ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مَثَلًا مِائَةً وَزِدْتَ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَيْهَا؛ صَارَ الْمَجْمُوعُ سِتَّمِائَةِ مِثْقَالٍ، وَنِسْبَةُ الْقِيمَةِ إلَى ذَلِكَ سُدُسٌ؛ فَيَفْدِيهِ بِسُدُسِ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَفِي مِثَالِنَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (وَيَأْخُذُ)؛ أَيْ: يَأْخُذُ وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (مِنْ الدِّيَةِ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ) وَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي الْمِثَالِ امْرَأَةً حُرَّةً وَزَادَتْ نِصْفُ دِيَتِهَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ صَارَ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِثْقَالًا، وَنِسْبَةُ الْقِيمَةِ إلَى ذَلِكَ سُبْعَانِ؛ فَيَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِسُبْعَيْ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا. (وَيَضْمَنُ مُعْتَقٌ) بِفَتْحِ التَّاءِ (مَا تَلِفَ بِجُبٍّ حَفَرَهُ) حَالَ كَوْنِهِ (قِنًّا) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ التَّلَفِ. (وَيَتَّجِهُ) تَضْمِينُهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْ حَفَرَهُ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) أَمَّا لَوْ كَانَ فَعَلَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (ا).

.بَابُ دِيَةِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا:

(دِيَةُ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا) التَّالِفَةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، وَالْمَنَافِعُ جَمْعُ مَنْفَعَةٍ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ نَفَعَنِي كَذَا نَفْعًا، ضِدُّ الضَّرَرِ. (مَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ) شَيْءٌ (وَاحِدٌ؛ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ)؛ أَيْ: نَفْسِ الْمُتْلَفِ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. وَذَلِكَ (كَأَنْفٍ وَلَوْ مَعَ عِوَجِهِ) صَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ إذَا قُطِعَ مَعَ مَارِنِهِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَكَرٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ فَفِيهِ دِيَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَفِيهِ دِيَتُهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَفِيهِ دِيَتُهُ (وَكَذَكَرِ غَيْرِ عِنِّينٍ وَلَوْ لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ. (وَكَلِسَانٍ يَنْطِقُ بِهِ كَبِيرٌ أَوْ يُحَرِّكُهُ بِبُكَاءٍ صَغِيرٌ) فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِ إذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَإِتْلَافُهَا كَإِذْهَابٍ بِالنَّفْسِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ.
(وَ) مَنْ أَتْلَفَ (مَا فِيهِ)؛ أَيْ: الْإِنْسَانِ مِنْهُ (شَيْئَانِ؛ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ (كَعَيْنَيْنِ وَلَوْ مَعَ حَوَلٍ أَوْ عَمَشٍ) وَسَوَاءٌ الصَّغِيرَتَانِ وَالْكَبِيرَتَانِ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (وَ) مَعَ (بَيَاضٍ) بِالْعَيْنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا (بِنَقْصِ الْبَصَرِ تَنْقُصُ الدِّيَةُ بِقَدْرِهِ)؛ أَيْ: نَقْصِ الْبَصَرِ (وَكَأُذُنَيْنِ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ (وَشَفَتَيْنِ) إذَا اسْتَوْعَبَتَا، وَفِي الْبَعْضِ بِقِسْطِهِ مِنْ دِيَتِهِمَا تُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ (وَكَلَحْيَيْنِ) وَهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا الْأَسْنَانُ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا نَفْعًا وَجَمَالًا وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهُمَا (وَكَثُنْدُوَتَيْ رَجُلٍ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ ضَمَمْت الْأَوَّلَ هُمِزَتْ، وَإِنْ فَتَحْته لَمْ تَهْمِزْ، فَالْوَاحِدَةُ مَعَ الْهَمْزَةِ فَعْلَلَةٌ، وَمَعَ الْفَتْحِ فَعُلْوَةٌ (وَكَأُنْثَيَيْهِ)؛ أَيْ: الرَّجُلِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهُمَا (وَكَثَدْيِ أُنْثَى وَإِسْكَتَيْهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا (وَهُمَا شَفَرَاهَا)؛ أَيْ: حَافَّتَا فَرْجِهَا؛ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا نَفْعًا وَجَمَالًا، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَأَشَلَّهُمَا؛ فَالدِّيَةُ كَمَا لَوْ أَشَلَّ الشَّفَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ الرَّتْقَاءُ، وَغَيْرُهُمَا. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ: فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَدُورُ وَتَتَحَرَّكُ وَتَحْفَظُ الرِّيقَ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ (وَكَيْدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ)؛ لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِمَا إذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ (وَإِنْ قَطَعَ ثَدْيَهَا فَأَجَافَهَا) فَعَلَيْهِ (دِيَةٌ وَثُلُثٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ؛ إذْ فِي قَطْعِ الثَّدْيِ الْوَاحِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ إجْمَاعًا، وَفِي الثَّدْيَيْنِ جَمِيعًا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، وَفِي حَلَمَتَيْهِمَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ مِنْهُمَا مَا تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ بِذَهَابِهِ كَحَشَفَةِ الذَّكَرِ، وَإِنْ قَطَعَ الثَّدْيَيْنِ بِحَلَمَتَيْهِمَا فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَقَطْعِ الذَّكَرِ بِحَشَفَةٍ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، وَإِنْ حَصَلَ مَكَانَ قَطْعِ الثَّدْيَيْنِ جَائِفَتَانِ فَدِيَةٌ لِلثَّدْيَيْنِ وَثُلُثَا دِيَةٍ لِلْجَائِفَتَيْنِ (وَإِنْ ذَهَبَ) بِالْجِنَايَةِ (لَبَنُهُ)؛ أَيْ: لَبَنُ الثَّدْيِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (بِلَا شَلَلٍ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ) لِمَا حَصَلَ مِنْ النَّقْصِ، وَلَمْ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ نَفْعُ الثَّدْيِ بِالْكُلِّيَّةِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ جَنَى عَلَى ثَدْيَيْ صَغِيرَةٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَلَمْ يَنْزِلْ لَهَا لَبَنٌ، فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: قَطَعَتْهُ الْجِنَايَةُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إذَا لَمْ يَشُلَّهُمَا، وَإِنْ قَالُوا: قَدْ انْقَطَعَ مِنْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَضْمَنْ مَا ذَهَبَ مِنْ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ نَقَصَ لَبَنُهُمَا بِالْجِنَايَةِ فَحُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَا نَاهِدَيْنِ فَكَسَرَهُمَا أَوْ صَارَ بِهِمَا مَرَضٌ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ لِذَلِكَ النَّقْصِ. (وَقَدَمُ أَعْرَجَ) كَصَحِيحٍ (وَيَدُ أَعْسَمَ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ أَعْرَجُ الرُّسْغِ) بِإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا-؛ أَيْ: مَوْصِلِ الذِّرَاعِ- كَصَحِيحٍ (وَ) يَدُ (مُرْتَعِشٍ كَصَحِيحٍ) لِلتَّسَاوِي فِي الْبَطْشِ. (وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ عَلَى ذِرَاعٍ) وَاحِدٍ، (أَوْ) لَهُ (يَدَانِ وَذِرَاعَانِ مِنْ عَضُدٍ) وَاحِدٍ، وَإِحْدَاهُمَا بَاطِشَةٌ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَاهُمَا مُقَابِلَةُ الذِّرَاعِ وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةٌ عَنْهُ، أَوْ إحْدَاهُمَا تَامَّةُ الْخَلْقِ وَالْأُخْرَى نَاقِصَةٌ، فَالْأُولَى هِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ؛ فَفِي الْأَصْلِيَّةِ دِيَتُهَا إنْ قُطِعَتْ، وَالْقِصَاصُ بِقَطْعِهَا عَمْدًا، وَفِي الزَّائِدِ حُكُومَةٌ (وَتَسَاوَتَا) فِي غَيْرِ بَطْشٍ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا بَطْشَ لَهُمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِمَا؛ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ فَهُمَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَإِنْ تَسَاوَتَا (وَلَهُمَا بَطْشٌ أَيْضًا فَفِيهِمَا دِيَةُ يَدٍ وَاحِدَةٍ)؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا أَصْلِيَّةٌ (وَلِلزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ) سَوَاءٌ قُطِعَتْ مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ (وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ وَحُكُومَةٌ، وَفِي أُصْبُعِ إحْدَاهُمَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ)؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ مِنْ الْيَدِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهُمَا كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَتَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَمَشَى فِي الْإِقْنَاعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ أَنَّ فِي قَطْعِ أُصْبُعِ إحْدَاهُمَا نِصْفَ أَرْشِ أُصْبُعٍ وَحُكُومَةً، مَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ هُوَ قِيَاسُ مَا قَبْلَهُ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ (وَلَا يُقَادَانِ)؛ أَيْ: الْيَدَانِ الْبَاطِشَتَانِ عَلَى ذِرَاعٍ أَوْ عَضُدٍ وَاحِدٍ بِيَدٍ لِئَلَّا تُؤْخَذَ يَدَانِ بِوَاحِدَةٍ (وَلَا يُقَادُ إحْدَاهُمَا بِيَدٍ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَقْطُوعَةُ هِيَ الزَّائِدَةَ؛ فَلَا تُقَادُ بِهَا الْأَصْلِيَّةُ (وَكَذَا حُكْمُ رِجْلٍ) فِيمَا ذُكِرَ أَيْ: إذَا كَانَ لَهُ قَدَمَانِ عَلَى سَاقٍ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَطْوَلَ مِنْ الْأُخْرَى، فَقَطَعَ الطَّوِيلَةَ، وَأَمْكَنَهُ الْمَشْيُ عَلَى الْقَصِيرَةِ؛ فَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ، وَإِلَّا فَهِيَ زَائِدَةٌ. قَالَهُ فِي الْكَافِي.
وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةُ الْيَدِ، وَتَنْدَرِجُ فِيهَا دِيَةُ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْجَمِيعِ يَدٌ وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَصَابِعِ دَخَلَ مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ مِنْ الْكَفِّ فِي دِيَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ لَوْ كَانَتْ سَالِمَةً كُلَّهَا لَدَخَلَ أَرْشُ الْكَفِّ كُلِّهِ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ؛ فَكَذَلِكَ مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ السَّالِمَةَ يَدْخُلُ فِي دِيَتِهَا، وَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ بَاقِي الْكَفِّ الْمُحَاذِي لِلْمَقْطُوعَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهُ مَا يَدْخُلُ فِي دِيَتِهِ؛ فَوَجَبَ أَرْشُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَقْطُوعَةً (وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ وَهُمَا مَا عَلَى الظَّهْرِ وَاسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ) الْقَطْعُ (إلَى الْعَظْمِ الدِّيَةُ) كَامِلَةٌ كَالْيَدَيْنِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، وَفِي ذَهَابِ بَعْضِهَا بِقَدْرِهِ مِنْ الدِّيَةِ بِنِسْبَةِ الْأَجْزَاءِ كَسَائِرِ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ، فَإِنْ جَهِلَ مِقْدَارَ نِسْبَةِ الذَّاهِبِ مِنْهُمَا فَحُكُومَةٌ. (وَفِي الْمَنْخَرَيْنِ ثُلُثَاهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ وَالْمَنْخَرُ- بِفَتْحِ الْمِيمِ- كَمَسْجِدٍ وَقَدْ تُكْسَرُ إتْبَاعًا لِلْخَاءِ (وَفِي حَاجِزٍ ثُلُثُهَا)؛ لِاشْتِمَالِ الْمَارِنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مَنْخَرَيْنِ وَحَاجِزٍ، فَوَجَبَ تَوْزِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَدَدِهَا كَالْأَصَابِعِ، وَإِنْ قَطَعَ أَحَدٌ الْمَنْخَرَيْنِ وَنِصْفَ الْحَاجِزِ، فَفِي ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ شَقَّ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ. (وَفِي الْأَجْفَانِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ) كَامِلَةً (وَفِي إحْدَاهَا)؛ أَيْ: الْأَجْفَانِ (رُبُعُهَا)؛ لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ فِيهَا جَمَالٌ ظَاهِرٌ وَنَفْعٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهَا تُكِنُّ الْعَيْنَ وَتَحْفَظُهَا مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَوْلَاهَا لَقَبُحَ مَنْظَرُ الْعَيْنِ، وَأَجْفَانُ عَيْنِ الْأَعْمَى كَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الْأَجْفَانِ. (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ) أَصَابِعِ (الرِّجْلَيْنِ دِيَةٌ) كَامِلَةٌ (وَفِي الْأُصْبُعِ) الْوَاحِدَةِ (عُشْرُهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ لِكُلِّ أُصْبُعٍ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ: «هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ. (وَفِي الْأُنْمُلَةِ وَلَوْ مَعَ ظُفُرٍ) إنْ كَانَتْ (مِنْ إبْهَامِ) يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (نِصْفُ عُشْرِ) الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْهَامِ مَفْصِلَيْنِ، فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ عُقَدِ الْإِبْهَامِ، وَفِي الْأُنْمُلَةِ (مِنْ غَيْرِهِ)؛ أَيْ: الْإِبْهَامِ (ثُلُثُهُ)؛ أَيْ: ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَفَاصِلَ، فَتُوَزَّعُ دِيَتُهُ عَلَيْهَا. (وَفِي ظُفْرٍ وَلَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ أَسْوَدَ خُمْسُ دِيَةِ أُصْبُعٍ) نَصًّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَفِي سِنٍّ أَوْ نَابٍ أَوْ ضِرْسٍ قَلَعَهُ بِسُخْنِهِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ- أَيْ أَصْلِهِ- أَوْ قَلَعَ (الظَّاهِرَ مِنْهُ فَقَطْ، وَلَوْ) كَانَ السِّنُّ (مِنْ صَغِيرٍ وَلَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ أَسْوَدَ، وَاسْتَمَرَّ) أَسْوَدَ (أَوْ) عَادَ (أَبْيَضَ ثُمَّ اسْوَدَّ بِلَا عِلَّةٍ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَرْفُوعًا: «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاه النَّسَائِيّ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «فِي الْأَسْنَانِ خَمْسًا خَمْسًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَهُوَ عَامٌّ فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّابُ وَالضِّرْسُ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ، وَالْأَسْنَانُ الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد (وَفِي جَمِيعِهَا)؛ أَيْ: الْأَسْنَانِ (مِائَةٌ وَسِتُّونَ؛ لِأَنَّهَا) اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ (أَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ رُبَاعِيَّاتٍ، وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَعِشْرُونَ ضِرْسًا) فِي كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَةٌ، خَمْسَةٌ مِنْ فَوْقُ وَخَمْسَةٌ مِنْ تَحْتُ (وَفِي سَنِخٍ وَحْدَهُ)؛ أَيْ: بِلَا سِنٍّ حُكُومَةٌ، وَفِي سِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ عَادَ قَصِيرًا، أَوْ عَادَ مُتَغَيِّرًا أَوْ ابْيَضَّ ثُمَّ اسْوَدَّ لِعِلَّةٍ (حُكُومَةٌ)؛ لِأَنَّهَا أَرْشُ كُلِّ مَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ وَيَأْتِي. (وَتَجِبُ دِيَةُ يَدٍ وَدِيَةُ رِجْلٍ بِقَطْعِ يَدٍ مِنْ كُوعٍ وَ) قَطْعِ رِجْلٍ (مِنْ كَعْبٍ)؛ لِفَوَاتِ نَفْعِهِمَا الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِالْقَطْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ اُكْتُفِيَ بِقَطْعِهِمَا مِمَّنْ سَرَقَ مَرَّتَيْنِ (وَلَا شَيْءَ فِي زَائِدٍ لَوْ قُطِعَا)؛ أَيْ: الْيَدُ وَالرِّجْلُ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا عُضْوَانِ (مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ) كَأَنْ قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمَنْكِبِ أَوْ الرِّجْلُ مِنْ السَّاقِ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ مِنْ الْمَنْكِبِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ} وَالرِّجْلُ إلَى السَّاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ} وَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ مَسَحَتْ الصَّحَابَةُ إلَى الْمَنَاكِبِ. وَأَمَّا قَطْعُهُمَا فِي السَّرِقَةِ مِنْ الْكُوعِ أَوْ الْكَعْبِ فَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ دِيَتُهَا بِقَطْعِهَا مِنْهُ كَقَطْعِ أَصَابِعِهَا. (وَفِي مَارِنِ أَنْفٍ وَحَشَفَةِ ذَكَرٍ وَحَلَمَةِ ثَدْيٍ دِيَتُهُ) كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَمَالُ فِي الْأَنْفِ، وَحَشَفَةُ الذَّكَرِ وَحَلَمَةُ الثَّدْيِ بِمَنْزِلَةِ الْأَصَابِعِ مِنْ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الذَّكَرِ تَكْمُلُ بِالْحَشَفَةِ كَمَا تَكْمُلُ مَنْفَعَةُ الْيَدِ بِالْأَصَابِعِ. (وَفِي تَسْوِيدِ سِنٍّ وَ) تَسْوِيدِ (ظُفْرٍ وَ) تَسْوِيدِ (أَنْفٍ وَ) تَسْوِيدِ (أُذُنٍ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ) التَّسْوِيدُ، دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ كَامِلَةً، لِإِذْهَابِهِ جَمَالَهُ. وَفِي شَلَلٍ (غَيْرِ أَنْفٍ وَ) غَيْرِ (أُذُنٍ كَ) شَلَلِ (يَدٍ وَ) شَلَلِ (مَثَانَةٍ) مُجْتَمَعُ الْبَوْلِ (أَوْ إذْهَابِ نَفْعِ عُضْوٍ، دِيَتُهُ)؛ أَيْ: ذَلِكَ الْعُضْوِ (كَامِلَةً)؛ لِصَيْرُورَتِهِ كَالْمَعْدُومِ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ. (وَفِي شَفَتَيْنِ صَارَتَا لَا تَنْطَبِقَانِ عَلَى أَسْنَانٍ، أَوْ اسْتَرْخَتَا فَلَمْ تَنْفَصِلَا عَنْهَا)؛ أَيْ: الْأَسْنَانِ (دِيَتُهُمَا)؛ لِتَعْطِيلِهِ نَفْعَهُمَا وَجَمَالَهُمَا كَمَا لَوْ شَلَّهُمَا أَوْ قَطَعَهُمَا، وَإِنْ تَقَلَّصَتَا بَعْضَ التَّقَلُّصِ فَحُكُومَةٌ؛ لِذَلِكَ النَّقْصِ، وَحَدُّ الشَّفَةِ السُّفْلَى مِنْ أَسْفَلِ مَا تَجَافَى عَنْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ مِمَّا ارْتَفَعَ عَنْ جِلْدَةِ الذَّاقِنِ، وَحَدُّ الشَّفَةِ الْعُلْيَا مِنْ فَوْقِ مَا تَجَافَى عَنْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ إلَى اتِّصَالِهِ بِالْمَنْخَرَيْنِ وَالْحَاجِزِ. وَحَدُّ مَا تَجَافَى الشَّفَتَيْنِ طُولًا طُولُ الْفَمِ إلَى حَاشِيَةِ الشِّدْقَيْنِ. (وَفِي قَطْعِ أَشَلَّ) مِنْ أُذُنٍ وَأَنْفٍ (وَمَخْرُومٍ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ) إذَا قُطِعَ وَتَرُهُ (دِيَتُهُ كَامِلَةٌ)؛ لِبَقَاءِ جَمَالِهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْأَنْفَ الْمَخْرُومَ أَنْفٌ كَامِلٌ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ. (وَفِي أُذُنِ أَصَمَّ وَأَنْفِ أَخْشَمَ) لَا يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ (دِيَتُهُ)؛ أَيْ: ذَلِكَ الْعُضْوِ (كَامِلَةٌ)؛ لِأَنَّ الصَّمَمَ وَعَدَمَ الشَّمِّ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ، وَجَمَالُهُمَا بَاقٍ. (وَفِي قَطْعِ نِصْفِ ذَكَرٍ بِالطُّولِ نِصْفُ دِيَتِهِ)؛ أَيْ: الذَّكَرِ؛ لِإِذْهَابِ نِصْفِهِ كَسَائِرِ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ، نَقَلَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَقِيلَ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، اخْتَارَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ، فَإِنْ ذَهَبَ نِكَاحُهُ بِذَلِكَ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْهُ مِمَّا دُونَ الْحَشَفَةِ فَكَانَ الْبَوْلُ يَخْرُجُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَجَبَ بِقَدْرِ الْقِطْعَةِ مِنْ جَمِيعِ الذَّكَرِ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَجَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ حِصَّةِ الْقِطْعَةِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْحُكُومَةِ، وَإِنْ ثَقَبَ ذَكَرَهُ فِيمَا دُونَ الْحَشَفَةِ فَصَارَ الْبَوْلُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّقْبِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ. (وَفِي عَيْنٍ قَائِمَةٍ بِمَكَانِهَا صَحِيحَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ ذَهَبَ نَظَرُهَا) حُكُومَةٌ (وَفِي عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ وَبَقِيَتْ صُورَتُهُ كَأَشَلَّ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَثَدْيٍ وَذَكَرٍ وَلِسَانِ أَخْرَسَ لَا ذَوْقَ لَهُ وَلِسَانِ طِفْلٍ بَلَغَ أَنْ يُحَرِّكَهُ بِبُكَاءٍ، لَمْ يُحَرِّكْهُ) حُكُومَةٌ. (وَفِي ذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ وَسِنٍّ أَسْوَدَ أَوْ ثَدْيٍ بِلَا حَلَمَةٍ وَذَكَرٍ بِلَا حَشَفَةٍ وَقَصَبَةِ أَنْفٍ وَشَحْمَةِ أُذُنٍ) حُكُومَةٌ. (وَفِي زَائِدٍ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَسِنٍّ وَشَلَلِ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَتَعْوِيجِهِمَا)، أَيْ: الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ (حُكُومَةٌ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ. (وَفِي ذَكَرٍ وَالْأُنْثَيَيْنِ قُطِعُوا مَعًا)؛ أَيْ: دَفْعَةً وَاحِدَةً دِيَتَانِ، وَفِي عَوْدِ الْوَاوِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ تَسَاهُلٌ، وَلَعَلَّهُ كَوْنُهُمَا بَعْضُ مَنْ يَعْقِلُ (أَوْ) قُطِعَ (هُوَ)؛ أَيْ: الذَّكَرُ (ثُمَّ هُمَا)؛ أَيْ: الْأُنْثَيَانِ (دِيَتَانِ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَ فِي قَطْعِهِ، فَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَا (وَإِنْ قُطِعَتَا)؛ أَيْ: الْخُصْيَتَانِ (ثُمَّ قُطِعَ الذَّكَرُ فَفِيهِمَا)؛ أَيْ: الْأُنْثَيَيْنِ (دِيَةٌ) كَامِلَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يُقْطَعْ الذَّكَرُ (وَفِيهِ)؛ أَيْ: الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ بَعْدَهُمَا (حُكُومَةٌ)؛ لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ. (وَمَنْ قَطَعَ أَنْفًا، أَوْ) قَطَعَ (أُذُنَيْنِ فَذَهَبَ الشَّمُّ) بِقَطْعِ الْأَنْفِ (أَوْ) ذَهَبَ (السَّمْعُ) بِقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ؛ (فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ)؛ لِأَنَّ الشَّمَّ مِنْ غَيْرِ الْأَنْفِ، وَالسَّمْعَ مِنْ غَيْرِ الْأُذُنَيْنِ؛ فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، كَالْبَصَرِ مَعَ الْأَجْفَانِ، وَالنُّطْقِ مَعَ الشَّفَتَيْنِ فَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ نَقَصَ فَقَطْ فَحُكُومَةٌ (وَتَنْدَرِجُ دِيَةُ نَفْعِ بَاقِي الْأَعْضَاءِ فِي دِيَتِهَا) فَتَنْدَرِجُ دِيَةُ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنَيْنِ إذَا قَلَعَهُمَا؛ لِتَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا. (فَلَوْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَكَلَامُهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ. وَإِنْ رَضَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ سَلَّهُمَا كَمُلَتْ دِيَتُهُمَا، كَمَا لَوْ قَطَعَهُمَا، وَإِنْ قَطَعَهُمَا فَذَهَبَ نَسْلُهُ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَحَدَهُمَا فَذَهَبَ النَّسْلُ فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ مَنْفَعَةِ الْعِوَضِ تَنْدَرِجُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ غَيْرَ السَّمْعِ وَالشَّمِّ.